حروب الظل: كيف تغيّر شكل الحرب الأمريكية بعد 11 سبتمبر؟

حروب الظل: كيف أعادت أمريكا تعريف الحرب بعد 11 سبتمبر
في ظهيرة يوم من أيام يناير 2011، تكشّف مشهد دموي في أحد شوارع لاهور المزدحمة بباكستان، لم يكن مجرد حادثة إطلاق نار، بل كان نافذة نادرة على حقيقة الحرب الأمريكية الجديدة. كان رايموند ديفيس، المتعاقد مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، يمثل الوجه الجديد لهذه الحرب: جندي في جيش سري، يعمل في الظل، ويمحو الخطوط الفاصلة بين الجاسوس والقاتل. عندما قتل ديفيس رجلين باكستانيين في وضح النهار، لم تكن هذه مجرد أزمة دبلوماسية، بل كانت كشفاً فاضحاً للأطروحة المحورية لكتاب مارك مازيتي "حروب الظل": في العقد الذي تلا هجمات 11 سبتمبر، بنت الولايات المتحدة آلة حربية جديدة، تعمل بعيداً عن الأضواء، وتعتمد على "مجمع عسكري-استخباري" جديد.[1, 2]
يغوص كتاب مازيتي في أعماق هذا التحول الجذري، متتبعاً كيف تغيرت طبيعة الحرب الأمريكية من الغزوات العسكرية الضخمة إلى عمليات جراحية دقيقة تُنفذ بطائرات بدون طيار وقوات خاصة، وهو ما أُطلق عليه اسم "طريقة المبضع".[1, 3]
ولادة آلة القتل: تحول وكالة الاستخبارات المركزية
في الأيام المحمومة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، وقّع الرئيس جورج دبليو بوش على "مذكرة صلاحيات" سرية منحت وكالة الاستخبارات المركزية سلطات واسعة وغير مسبوقة لمطاردة وقتل عناصر القاعدة في جميع أنحاء العالم. كان هذا بمثابة تراجع كامل عن القيود التي فُرضت على الوكالة في السبعينيات، والتي حظرت عليها تنفيذ عمليات اغتيال.[1]
بموجب هذا التفويض، تحولت وكالة الاستخبارات المركزية رسمياً من جهاز لجمع المعلومات إلى آلة قتل عالمية. أصبح "مركز مكافحة الإرهاب" (CTC)، الذي كان في السابق قسماً مهملاً، هو القلب النابض لـ "الحرب على الإرهاب". تحت قيادة كوفر بلاك، وهو ضابط عمليات عدواني، شهد المركز توسعاً هائلاً، وأصبحت مهمته الأساسية هي "المطاردة المنظمة".[1, 4] هذا التحول لم يغير مهمة الوكالة فحسب، بل أعاد تشكيل حمضها النووي، لتصبح الذراع التنفيذية للرئيس في حرب سرية عالمية.[1]
صراع الجبابرة: وكالة الاستخبارات ضد البنتاغون
لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية وحدها في ساحة حرب الظل. في البنتاغون، كان وزير الدفاع دونالد رامسفلد يشعر بالإحباط لأن فرق الـ CIA شبه العسكرية كانت أول من دخل أفغانستان وقادت المراحل الأولى من الحرب، بينما بدا جيشه الضخم بطيئاً وبيروقراطياً.[5, 1]
أطلق رامسفلد حملة لتحويل وزارة الدفاع إلى قوة قادرة على خوض حروب الظل بنفسها. وجد في "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" (JSOC) الأداة المثالية لتحقيق طموحاته، حيث تضم قوات النخبة مثل "قوة دلتا" و"الفريق السادس من قوات البحرية الخاصة". رأى فيها جيشاً سرياً يمكنه العمل بسرعة وسرية، متجاوزاً البيروقراطية العسكرية التقليدية.[1]
هذا التوسع أدى إلى صراع شرس على النفوذ بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية. وبدلاً من نظام متكامل، أصبح لدى الولايات المتحدة جهازان قويان وسريان يتنافسان على الموارد والمهام، مما أدى إلى "عسكرة" وكالة الاستخبارات و"تجسس" الجيش، وهي سمة مميزة وإشكالية لحروب الظل.[6, 1]
سلاح العصر الجديد: الطائرات بدون طيار
كانت طائرة "بريداتور" بدون طيار هي السلاح الذي عرّف حرب الظل أكثر من أي شيء آخر. في البداية، قوبلت فكرة تسليحها بالصواريخ بمقاومة داخل وكالة الاستخبارات، خوفاً من العودة إلى "تجارة الاغتيالات" التي لطخت سمعة الوكالة في الماضي. لكن فرصة ضائعة لرصد أسامة بن لادن عام 2000 دون القدرة على ضربه، خلقت زخماً لا يقاوم لتسليح الطائرة، مما منحها القدرة على "العثور على الهدف وتثبيته وتصفيته" في عملية واحدة.[1]
كانت الضربة الأولى خارج أفغانستان، في اليمن عام 2002، لحظة فاصلة أعلنت أن العالم بأسره أصبح ساحة معركة محتملة. وإذا كان برنامج الطائرات بدون طيار قد وُلد في عهد بوش، فقد بلغ ذروته في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي تبنى هذا النهج بحماس ووصفه بـ "المبضع" الدقيق مقابل "مطرقة" الغزو الشاملة.[1] لقد بدت الطائرات بدون طيار حلاً مغرياً: فهي تسمح بقتل الأعداء دون المخاطرة بحياة الجنود الأمريكيين، ودون التكاليف السياسية والمالية الهائلة للحروب البرية.[3]
ساحات معارك متوسعة وعواقب وخيمة
مع ترسيخ نموذج "المبضع"، توسعت حروب الظل بسرعة لتشمل زوايا نائية من العالم مثل اليمن والصومال وأجزاء واسعة من أفريقيا. لكن هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق أهداف بتكلفة منخفضة، غالباً ما ولّدت "ردود فعل عكسية" كبيرة.[7, 1]
 * في اليمن، أدى استهداف وقتل المواطن الأمريكي أنور العولقي إلى إثارة تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة حول سلطة الرئيس في الأمر بقتل مواطنيه دون محاكمة.[1]
 * في الصومال، أدت استراتيجية تمويل أمراء الحرب لمواجهة "اتحاد المحاكم الإسلامية" إلى نتائج عكسية مذهلة، حيث زادت من شعبية المحاكم ودفعت جناحها المتشدد، حركة الشباب، إلى الواجهة، مما حول الصومال إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة.[1]
 * في باكستان، كانت حملة الطائرات بدون طيار أحد المحفزات الرئيسية لظهور حركة طالبان الباكستانية (TTP) وتحولها ضد الدولة، مما أدى إلى زعزعة استقرار حليف رئيسي مسلح نووياً.[1]
يجادل مازيتي بأن "المبضع قد خلق أعداءً بقدر ما قتل منهم". فمن خلال الشراكة مع طغاة فاسدين، وتمويل أمراء حرب لا يخضعون للمساءلة، وقتل المدنيين في غارات الطائرات بدون طيار، غذت الولايات المتحدة المظالم المحلية وقدمت روايات تجنيد قوية للجماعات التي كانت تحاول تدميرها.[8, 1]
خاتمة: إرث الحرب الدائمة
في ختام تحليله، يقدم مارك مازيتي استنتاجاً مقلقاً: لم تكن السنوات التي تلت 11 سبتمبر تتعلق فقط بالحروب التقليدية في العراق وأفغانستان، بل كانت تتعلق بإنشاء آلة حربية موازية ودائمة وعالمية. هذه الآلة، التي ولدت من اندماج وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة، غيرت بشكل أساسي الطريقة التي تخوض بها أمريكا حروبها.[8, 2]
لقد أدت سهولة شن الحرب عبر الطائرات بدون طيار إلى "تخفيض عتبة الحرب"، وركزت سلطة هائلة وغير خاضعة للمساءلة في يد السلطة التنفيذية، مما سمح للرؤساء بشن حروب سرية دون نقاش عام أو موافقة تشريعية.[1] يترك الكتاب القارئ مع سؤال جوهري: هل أدت "طريقة المبضع"، في سعيها إلى شكل من أشكال الحرب منخفضة المخاطر، إلى جعل الحرب سمة دائمة وطبيعية للسياسة الأمريكية، تُشن إلى ما لا نهاية في الظل، بعيداً عن الرقابة الحقيقية؟.[7, 1]

كلمات مفتاحية (SEO)

حروب الظل، الحرب الأمريكية بعد 11 سبتمبر، الاستخبارات الأمريكية، وكالة CIA، البنتاغون، الطائرات بدون طيار، الحرب على الإرهاب، السياسة الأمريكية الخارجية، رايموند ديفيس، باكستان، اليمن، الصومال، مارك مازيتي، The Way of the Knife.



تعليقات

المشاركات الشائعة