متمرد منذ نشأته
الولد الذي رأى أكثر مما ينبغي الفصل الأول: تجارة الكلام كان "آدم" يرى فصله الدراسي كسوقٍ كبير. لم تكن تُباع فيه الخضروات أو الأقمشة، بل بضاعة أثمن وأكثر خداعاً: الكلام. وكان الأستاذ "فريد"، معلم التربية الدينية، هو التاجر الأكثر مهارة. كانت كلماته عن الأمانة والصدق بضاعته الرائجة، يغلفها بصوته العميق ونظراته الموقرة، ويبيعها للتلاميذ مقابل الاحترام والطاعة، ولأولياء الأمور الأثرياء مقابل المال في الدروس الخصوصية. آدم، من مقعده الأخير الذي يشبه برج المراقبة، كان قد بدأ يدرك أن الأستاذ فريد لا يؤمن ببضاعته حقاً. لقد كانت مجرد مهنة، وسيلة لتحصيل رزقه. لاحظ كيف يلمع صوته حين يخاطب "طارق" ابن الطبيب، وكيف يبهت ويجفّ حين يتحدث مع "ياسين" ابن بواب المدرسة. العدل الذي يتحدث عنه الأستاذ كان سلعة لها ثمن، لا ينالها إلا من يدفع. وجاء يوم الامتحان ليُعرّي السوق على حقيقته. تظاهر آدم بأنه نسي قلمه بعد تسليم الأوراق، وعاد ليختلس نظرة من شق الباب. رأى الأستاذ فريد يمسك بالقلم الأحمر، لا كمعلم يصحح، بل كتاجر يغش في الميزان ليُرضي زبوناً مهماً. بحركة خبيرة، ملأ ا...