جدلية الصراع: من الطبيعة البشرية إلى ولادة نظام عالمي جديد

جدلية الصراع: كيف يتحرك التاريخ من داخلنا؟


كنتُ أراقب مشهدًا بسيطًا لكنه كاشف: طفلان يلعبان أمام البيت، يضحكان، إلى أن أمسك أحدهما لعبة الآخر. في لحظة انقلب الضحك غضبًا، وبدأت المطاردة والصراخ. لا سياسة هنا ولا اقتصاد ولا طبقات؛ هناك فقط خوف من فقدان ما نعدّه امتدادًا للذات. عندها عاد السؤال: هل الصراع عارضٌ في حياتنا، أم هو البنية الأولى التي تتحرك بها الإنسانية؟


لماذا نصارع أصلًا؟

خلف كل اكتشاف وثورة وحرب وولادة حضارة، ظلٌّ لصراع. الصراع ليس دائمًا شراً؛ أحيانًا يكون القوة الدافعة للنمو والتعلم وتجاوز حدود النفس. جذره يبدأ من الداخل: بين ما نريد وما نخشى، وبين الصورة التي نبحث عنها في أعين الآخرين. الإنسان لا يريد أن يعيش فحسب، بل يريد أن يُرى ويُعترف بقيمته.

جذور دينية: حرية الاختيار وبداية الحكاية

تبدأ القصة قبل البشر: رفضُ إبليس السجود لآدم كان صراعًا على القيمة لا على الخبز: «أنا خير منه». ثم كان أول صراع بشري بين قابيل وهابيل، وهو أيضًا صراع على الاعتراف والقرب. هكذا نفهم أن الصراع ليس خللًا في الخلق، بل مساحة اختبار لحرية الاختيار.

الديالكتيك: منطق الحركة التاريخية

يمكن تلخيص منطق الحركة التاريخية في ثلاثية متجددة:

  • أطروحة: فكرة/نظام يهيمن ويستقر.
  • نقيض: تناقضات واعتراضات تنمو داخله أو ضده.
  • تركيب: صيغة جديدة تتجاوز الطرفين وتحفظ أفضل ما فيهما، ثم تتحول لاحقًا إلى أطروحة جديدة.

قصة السيد والعبد: الصراع من أجل أن نُرى

تخيل شخصين يريد كلٌ منهما اعتراف الآخر بإنسانيته وحريته؛ ينشب صراع. يستسلم أحدهما خوفًا من الموت فيغدو «عبدًا»، ويبدو الآخر «سيدًا». ظاهريًا انتصر السيد، لكن الزمن يقلب المعادلة:

  • السيد لا يعمل؛ يعتمد على العبد؛ يضعف ويخسر كفاءته.
  • العبد يعمل ويصنع؛ يرى نفسه في عمله؛ يكتسب مهارة واستقلالًا؛ يقترب من الحرية.

الخلاصة: الوعي الحقيقي لا يولد من السيطرة، بل من العمل والاحتكاك بالحياة.

مصر كمختبر جدلي

المرحلة الأطروحة النقيض التركيب
قبل 1952 ملكية وإقطاع حركة وطنية وشعبية ثورة يوليو وبناء الدولة الحديثة
الناصرية اشتراكية وتعبئة جماهيرية تناقضات داخلية + هزيمة 1967 الانفتاح والسادات
السادات انفتاح وإصلاح اقتصادي انتفاضات شعبية + صعود الإسلاميين دولة مبارك وإدارة التناقضات
مبارك → الحاضر استقرار شكلي + فساد انفجار يناير الدولة الوطنية بعد 2013

العالم اليوم: تركيب جديد قيد الولادة

نعيش صراعًا بين الليبرالية الغربية ورأسمالية الدولة. لا يبدو أن أيًّا منهما يحسم نهائيًّا؛ بل يتشكل تركيب هجين يأخذ من السوق مرونته ومن الدولة قدرتها التخطيطية، في مسعى لحماية الإنسان والاقتصاد معًا.

ماذا يعني ذلك لنا كأفراد؟

  • لا نهرب من الصراع الداخلي؛ نحوله إلى طاقة نضج.
  • نقاوم الاستبداد في أي علاقة لأنه يحمل بذرة سقوطه.
  • نستبدل معركة السيطرة بمعركة إتقان العمل والاستقلال.

خاتمة

ربما السؤال ليس «من سينتصر؟» بل «كيف نخرج من الصراع إنسانًا أوسع وعيًا؟». الحرية ليست أن نقهر الآخر، بل أن نتجاوز نسختنا القديمة ونولد من جديد.


سؤال مفتوح للقراء: ما الصراع الذي حول حياتك من حالة إلى أخرى؟ شاركني رأيك في التعليقات.

✍️ بقلم: أحمد البدوي – منصة الفكر

تعليقات

المشاركات الشائعة